الدكتور مشهور فوّاز يصدر فتوى بجواز تولّي المرأة منصب القضاء ورئاسة الدولة:
أصدر د. مشهور فوّاز عضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين - فتوى بجواز تولّي المرأة منصب رئاسة الدولة في الإسلام ، وتعتبر هذه الفتوى من الفتاوى الرائدة على مستوى العالم الإسلامي ، وإليكم نص الفتوى :
"إنّ الناظر إلى كتب التراث الفقهي يجد بأنّ فقهاءنا رحمهم الله تعالى كانوا يتحدثون عن واقع نساء عصرهم ، حيث كانت المرأة رهينة البيت ، ولا احتكاك لها بالمجتمع ولا دراية لها بشؤون الحياة ولا تجربة بها لإنشغالها بأمور الأسرة ومستلزماتها ، الأمر الذي يحول دون ثقافتها وخبرتها بقضايا المجتمع المختلفة ، سواء على الصعيد السياسي أم على الصعيد الإقتصادي أم على الصعيد الإجتماعي .... ممّا دفع بفقهائنا قديما إلى القول بعدم جواز ولاية المرأة وتقلدها المناصب العامة في الدولة .
ولا شك أنّ ما قاله فقهاؤنا في القدم لقول صواب وصائب ، ولكنّه يلائم فترة تاريخية بالنسبة للمرأة ، حيث كانت المرأة لا تخرج إلاّ من بيت اهلها إلى بيت زوجها ومن بيت زوجها إلى قبرها ، وأمّا الناظر إلى حال المرأة في الوقت المعاصر يجد أنّ المرأة قد خرجت على المجتمع وانفتحت عليه ودخلته من كل أبوابه ومجالاته وتخصصاته ، بل أصبحت المرأة رائدة في كافة المجالات العلمية والعملية في واقعنا المعاصر .
ومن الجدير بالذكر أنّ ما قاله فقهاؤنا ليس بحكم شرعي وإنّما هو حكم فقهي من نتاج اجتهادهم وفهمهم ، لذا لا يجوز أن ننسب هذه المسألة إلى الشرع أو إلى الله تعالى ، ومن المعلوم لمن كان لديه أدنى المفاتيح الأولية للفهم الفقه الإسلامي بأنّ الحكم الفقهي يختلف عن الحكم الشرعي ، ذلك أنّ الحكم الفقهي من نتاج فهم واستنباط الفقهاء كما سبق ، لذا فإنّه يحتمل الصواب والخطأ وقد يكون صالحا لزمان دون زمان آخر ، أو لمكان دون مكان آخر ، لذا وجدنا الشافعي قد عدل عن معظم فقهه لما أن انتقل من العراق إلى مصر ، فأصبح لديه فقهان : الفقه الجديد والفقه القديم ، وقد كان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يوصي تلميذه أبا يوسف ، فيقول له : يا يعقوب لا تأخذ عني كل ما أقول فإني أنقض اليوم ما قلت بالأمس وأنقض غدا ما قلت باليوم " .
إشكال وتوضيح :
قد يشكل على البعض ما رواه البخاري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قوله : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " ، فيحمله على غير محمله ومراده ، مدعيا أنّ هذا نصا في المسألة ، وبذلك يتهافت ما قلته من قبل بأنّ مسألة ولاية المرأة مسألة فقهية وليست شرعية ، أي بأنّ عدم جواز ولاية المرأة وتقلدها المناصب العامة هو حكم الله تعالى وليس بفهم الفقهاء واجتهادهم .
الجواب : هذا الحديث لا حجة فيه : لأنّه يتحدث عن الولاية العامة التي ليس فوقها ولاية ، وهي الخلافة الراشدة أو الرئاسة العامة للدولة الإسلامية الواحدة التي تضم العالم الإسلامي كله ، والتي لم تعد موجودة الآن ولا يتوقع أن توجد في المستقبل البشري المنظور بالصورة التي كانت عليه ، حيث أنّ اختصاصات الخليفة قديما تختلف اختلافا كبيرا عن رئاسة الدولة المعاصرة ، حيث كان ولي الأمر هو الذي يرتب الجيوش ويؤم الناس في الصلاة ويخطبهم الجمعة كما أنّه المرجعية الأولى لإستصدار الأحكام الشرعية واستنباطها ، حيث كان مجتهدا مطلقا ...
بينما رئيس الدولة اليوم جزء من مؤسسات عدة تتوزع بينها السلطات والصلاحيات التي كان يجمعها في يده الحاكم الفرد .
وممّا يدلّ على أنّ المراد بالحديث الولاية العظمى ( الخلافة ) أنّ بعض الفقهاء كأبي حنيفة أجاز لها أن تتولى القضاء فيما تصح به شهادتها عندهم ، وأجاز لها ابن جرير الطبري أن تتولى القضاء مطلقا وهو رواية عن الإمام مالك رحمه الله تعالى . ( انظر : فتح الباري ، لإبن حجر العسقلاني ، 8/ 128 ) وهذا أيضا مذهب ابن حزم رحمه الله تعالى .
لذا طالما أنّ المراد بالحديث الولاية العامة ( الخلافة ) التي تناط بها مهام ومشاق ومسؤوليات لا تطيقها المرأة ، وطالما أنّ النظام السياسي قد اختلف فلم تعد صلاحيات رئيس الدولة كصلاحيات الخليفة ، فما المانع من أن تتولى رئاسة الدولة إذا كانت قدراتها وكفاءاتها تؤهلها لذلك ؟!
ثمّ إنّ قوله صلّى الله عليه وسلّم : لن يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة " قد حمله البعض على أنّه واقعة عين مخصوصة ، حيث قاله النبي صلّى الله عليه وسلّم لمّا أن ولّى الفرس عليهم امرأة ، فقال : " لن يفلح قوم ولوا امرأة كإيذان وإخبار منه صلى الله عليه وسلّم بسقوط دولة الفرس ، وهذا هو سبب مقولة الحديث .
وإن كان قد يعترض البعض على هذا التوجيه بأنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فإنّنا نقول : إنّ قوله صلّى الله عليه وسلّم : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " لا يفيد بطلان ولاية المرأة من الناحية الشرعية وإنّما غاية ما يفيده خطأ الإختيار ، أو عدم ترتب الغرض عليه ، فهو من قبيل قولك : " لن يفلح من اتجر في الصيف ببضاعة الشتاء " فإنّه يعني لن يربح المقدار المناسب ولكنه لا يفيد فساد البيع قطعا .
كمّا أنّه لا يفوتنا أنّ ما يصدر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أحكام سياسية بصفته رئيسا للدولة ليس تشريعا ، كما حدث يوم بدر بشأن الأسرى ومع الجباب بن المنذر لمّا أشار على النبي صلّى الله عليه وسلّم بمكان آخر غير الذي نزله ...
ثمّ إنّ الأصل الأصيل الذي ينبغي أن تقرأ جميع النصوص الأخرى بضوئه : قوله تعالى : " يآ ايّها النّاس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نّفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيرا ونساء " ( النساء : 1).
وقوله صلّى الله عليه وسلّم : " النساء شقائق الرجال " رواه أبو داود وصححه الأباني في صحيح الجامع ( 2333) .
فهذه النصوص تؤكد بأن ّ وحدة الأصل الإنساني الذي تتفرع عليه المساواة بين الذكور والإناث في الحقوق والواجبات والتي حاصلها أن يكون للمرأة الدور الذي تؤهلها له مكناتها العقلية والشخصية في حياة مجتمعها كالرجل سواء بسواء هي القاعدة العامة إلاّ ما استثني بدليل قطعي وقاطع لا يحتمل أدنى احتمال ، وليس موجودا بقضيتنا المذكورة ."